من الواضح أن العالم سيواجه مع شتاء هذا العام وبدايات العام المقبل، تحديات متعددة لن نكون في الأردن بعيدين عنها. فالإشارات الأولى تشير إلى اتجاه صعودي في أسعار النفط وإن كان ذلك بشكل تدريجي، كما أن أسعار المواد الأساسية، وخاصة الغذائية منها، تتجه إلى الصعود في ظل التغيرات المناخية التي شهدها العالم وأثرت سلبا على حجم ومستوى الإنتاج العالمي من تلك المواد.
وعلى صعيد آخر، فإن الدول الكبرى تخوض معركة على أسعار العملات، وتكاد تجد صعوبة في الوصول إلى حل يناسب الجميع في ظل ضعف الدولار وتشدد الصين حول رفع سعر عملتها أو تحريرها، ناهيك عن استمرار التوقعات بصعوبة الأوضاع الاقتصادية على المستوى العالمي، والتي تستدعي استمرار تدخل الحكومات بسياسات إنعاش مناسبة تبقي الزخم المتثاقل الذي تم تحقيقه، وتحافظ على ماء وجه الحكومات في الدول الكبرى التي ضخت البلايين للخروج من الأزمة الحالية.
المحصلة أننا جزء من القرية العالمية التي خلقتها العولمة ما يستدعي النظر بجدية إلى تلك التحديات، والعمل على إيجاد إدارة لتجنب الأزمات التي ستخلقها تلك الظروف، بدلا من الانتظار إلى حين تحققها ونغرق في سياسات إدارة الأزمات، فمن الأفضل أن نطلق الجهود اليوم لسياسات تجنب الأزمات القادمة بدلا من الانتظار للتعامل معها عند حدوثها، فلعب دور المبادر أفضل بكثير من الغرق في دور المتعامل من خلال ردود الفعل على ما يحدث.
في ظل الظروف والإرهاصات السابقة يتوجب العمل اليوم والاستعداد لآثار ارتفاع الأسعار، والتي ستنعكس بشكل مباشر على معدلات التضخم في ظل حالة من الكساد النسبي، ما يجعلنا أمام حالة كساد تضخمي (Stagflation) أصبح الشعور به وتحققه مسألة وقت ليس إلا، كما أن ذلك سيضغط على ميزان المدفوعات الأردني وعلى عجز الموازنة، كما أنه سيمس حياة المواطن العادي نظرا لما سيتركه ذلك من آثار سلبية على القوة الشرائية. كما أن استمرار وقوع الاقتصادات العالمية في فخ السيولة وتثاقل معدلات النمو الحقيقي ونزوحها نحو سياسات إضافية للإنعاش، يجعلنا بين سندان تخفيض العجز ومطرقة ضغوط النمو المتثاقل، الذي يحتاج لسياسات نقدية ومالية غير متحفظة، إن لم نقل سياسات توسعية قليلا.
بقية معضلة السوق المالي أو البورصة والحاجة لتحريكها تكمن في إنعاش السوق ومحاولة إنقاذ صغار المستثمرين في هذا السوق، فقد بات من الواضح أن الانتعاش البسيط الذي شهدته العديد من دول العالم ودول المنطقة، لم تنتقل عدواه بعد إلى السوق الأردني.
أما المخرج الوحيد اليوم لكي نكون مبادرين لا متلقين ننتظر النزوع إلى ردود الفعل، فيتمثل في البدء على الفور بتحليل الأوضاع ودراسة السياسات المطلوبة للتعامل مع تلك التحديات متى تحققت، وذلك من خلال جهد وطني يتشارك فيه الجميع من حكومة وقطاع خاص ومختصين، لا بد من إنشاء مجموعة عمل متخصصة (Focus Group) تعد العدة لتلك التحديات وتحلل آثارها وتضع التوصيات المطلوبة في شكل سياسات رقمية معيارية، تنعكس في موازنة العام المقبل وفي تصميم السياسات النقدية والمالية والتجارية للعام المقبل على الأقل.
بقلم: د. خالد واصف الوزني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق