29‏/06‏/2010

التجار يصرخون

يجلسون أمام أبواب محلاتهم في سوق السكر يندبون حظا تعثر منذ وقت ولا يجدون من يساعدهم في تغيير أحوالهم، آخرون يغادرون المصارف وقد باءت جهود حثيثة للاقتراض بالفشل، بينما فريق ثالث من التجار يزور في سجن الجويدة زملاء كانوا قبل وقت قريب لاعبين في السوق لكن الشيكات المرتجعة قضت على مستقبلهم وحريتهم.

تلك الصور ليست كاريكاتورية بل حقيقية عن واقع غالبية التجار الذين يئنون تحت ظروف قاسية في العاصمة وخارجها، وبات يتهدد الكثير منهم شبح الخروج السريع من السوق.

ثمة صناعيون أيضا يشتكون من أضرار مباشرة تصيبهم بسبب الإفراط في الاستيراد دونما رقيب، حيث تعاني حاليا منشآت اقتصادية في قطاعات زيت الزيتون والورق الصحي وسلندرات الطباعة والجوارير المعدنية والاسمنت والجبس وغيرها من القطاعات؛ بسبب المنافسة غير العادلة، وتقوم حاليا مديرية حماية الانتاج الوطني بوزارة الصناعة والتجارة على دراسة تضرر تلك القطاعات.

بالقرب من تلك الشكاوى، يرصد تجار محليون حجم الخسائر التي لحقت بهم بسبب قرار إلغاء ضريبة المغادرة بين الأردن وسورية الذي بدأ تطبيقه منذ أكثر من ستة أشهر.

ففي الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي عبر حدود جابر الأردنية باتجاه نصيب السورية نحو 1.1 مليون فرد كما تشير بيانات رسمية، ويعد هذا العدد كبيرا وسببه الرئيس إلغاء ضريبة المغادرة التي كانت تستوجب في السابق دفع المغادر لمبلغ 8 دنانير لكل فرد وخمسة دنانير عن السيارة.

ومن هؤلاء من كان يغادر في الصباح الباكر ويعود في الليل، ولا يدفع الا خمسة دنانير لسيارة الأجرة التي تقله لعبور الحدود.

واذا استمر العدد على المتوالية نفسها فمعنى ذلك أن نحو 3.3 مليون أردني - نصف عدد السكان - سيعبرون الحدود من عمان الى دمشق خلال العام الحالي، وفي مقابل هذا العدد فإن عدد السوريين الذين يدخلون إلى الأردن لا يتقارب بأي شكل من الاشكال مع عدد الأردنيين الذين يزورون جارتهم الشمالية.

ولا يمكن إغفال حجم الأموال التي يتم إنفاقها في سورية على السياحة والمطاعم والفنادق والتجارة بكل أشكالها، والتي يبلغ متوسطها للعام الحالي نصف بليون دينار، بالاستناد الى رقم المغادرين المحتمل وضمن معدل صرف حجمه 150 دينارا للفرد الواحد، وهي الأموال التي تحرم منها محلاتنا وفنادقنا وتجارتنا بسبب تيسر الوصول إلى سورية ورخص الاسعار فيها، لاسيما في ظل فرق مستوى الحياة الاقتصادية بين البلدين.

مشكلة التجار المحليين ليست مع تلاشي كلفة السفر عبر الحدود الشمالية وحسب، فعلى طريق المطار، ثمة معارض لمنتجات دول عربية ومنها اخيرا معرض المنتجات المصرية، ويتساءل التجار لماذا تفتح الحكومة الباب واسعا امام منتجات الدول الأخرى للبيع المباشر في فترة الذروة بالنسبة للتجار، وهي شهور الصيف بعد انتظار طويل للمغتربين؟ لماذ لا تنظم تلك المعارض في شهور أخرى من السنة ؟ ولماذا لا تدعم الحكومة تنظيم معارض محلية لمنتجاتنا الأردنية ؟

منذ وقت قريب اقدمت الحكومة على توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين عمان وانقرة، وليس سرا ان قدرات الاقتصاد التركي تفوق بكثير القدرات الاقتصادية الأردنية، فمن المستفيد فعلا من توقيع هذه الاتفاقية تركيا أم الأردن ؟ وما حجم الصناعات والتجارة التي ستتدفق تبعا لتلك الاتفاقية من السوق التركي ؟

مشهد التجارة والصناعة المحلية ليس مقنعا بالاستناد إلى عدم التفات المخططين لمستقبل القطاعات الانتاجية والتجارية المحلية، واذا تم تجميع الصورة كاملة بين الحدود الشمالية وطريق المطار واتفاقيات التجارة الحرة التي توقع تباعا، فإن التاجر والصانع المحلي يبدو ضائعا في كل هذا بل ومتضررا.

ما سبق ليس دعوة للانعزالية او لتضييق التبادل مع دمشق والقاهرة وانقرة او غيرها، لكنه مساحة للتفكير بصوت عال في مصير التاجر والصانع المحلي الذي يعاني ويصرخ بسبب الانفتاح المفرط ولا يسمع صدى لصوته.

بقلم: حسن الشوبكي
المصدر: الغد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق