29‏/06‏/2010

من اقتصاد الإدخار إلى اقتصاد الاقتراض أو الدَّيْن

الدولة الأردنية مَدينة بنحو عشرة مليارات دولار، والعامة – أفراداً ومؤسسات وشركات– مدينون للبنوك (تسهيلات وقروض...) بنحو عشرين مليار دولار.وبعبارة أخرى ما من رجل وامرأة في الأردن إلا مدين مباشرة لتمويل شراء شقة أو سيارة... أو بزنس، أوبصورة غير مباشرة كمواطن في دولة مدينة. وما من دولة في العالم ربما ما عدا النرويج إلا مدينة إلى شوشتها. وإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك – فمن الدائن؟ أم أن كلاً منها مدين ودائن معاً.

في رأي الأستاذ فيليب كوشمان – الأستاذ في كلية علم النفس المهني في بيركلي – عملت عدة قوى وعلى رأسها الإعلان والصناعات الاستهلاكية (التي تشعرك بالحرمان الدائم) على إفراغ النفس البشرية من محتواها لملئها باستهلاك متفاقم، فأنت اليوم مُهم أو موجود بمقدار ما تشتري أو تستهلك، أي بمقدار ما تملأ عربة التسوق التي تدفعها أمامك من بضاعة. وبما أن كلفة الرغبات تزيد عن كمية الدخل فقد تحول الاقتصاد من اقتصاد (إدخار) إلى اقتصاد إقتراض أو دَيْن لتمويل الاستهلاك.

لقد تمكنت الدولة الحديثة من السيطرة على الفرد والناس، ليس بالقوة فقط بل بخلق النفس الفارغة أو الجائعة إلى الاستهلاك أيضاً، أي بتحويل السلعة إلى حاجة (بالنق) الإعلامي او على الأصح الدعائي كما كان يؤكد المفكر الطليعي إيفان إليش. صارت هوية المرء كمستهلك ومتعة التسوق الاستعراضية تتقدم على هويته كمواطن ،وعلى متعته كمنتج. وقد استفادت ثلاث جهات من هذه النرجسية الديناميكية:

الدولة نفسها 2- صناعة الإعلان 3- صناعة التجميل واللياقة بما في ذلك صناعة العلاج النفسي، فكلها تعمل بموجب أيدولوجية النفس الفارغة وتتلاعب بالفرد. وكلها تربح من ذلك. وهكذا صارت أغنى أمة على وجه الأرض (الأمة الأمريكية) أكثرها فراغاً وأفراغاً للنفس في بقية العالم.

وفي لبنان مثلاً (الغد في 3/10/2009) انتقل الاهتمام بالجمال من الشابات إلى الطفلات بين خمسة أعوام وأحد عشر اللواتي صرن يذهبن أو يُؤخذن إلى مراكز التجميل (المخصصة) للأطفال لتقليم أظافر اليدين والرجلين وتلوينها باللون البنفسجي أو الزهري أو الأزرق، أو لعمل قناع من الشوكولاته للوجه الصغير، أو لتسريح شعورهن والجلوس على مقاعد ملونة ينتظرن دورهن. ومن المصادفات العجيبة أن إحدى صاحبات مراكز تجميل الطفلات متخصصة أصلاً في تصميم الإعلانات.»

وبهذه النقلة أو الانتقال السريع من الطفولة البريئة تنضج الطفلات مبكراً (ويصبحن بالغات جنسياً) كما يقول عالم النفس الشهير ديفيد إلكيند، ويتعرضن إلى ما تتعرض له الفتيات بعد البلوغ. ترى هل مجتمعاتنا مستعدة لنتائج مثل هذه النقلة المغتعلة التي تعاني منها أمريكا (وأوروبا) أشد المعاناة؟ « إن التاريخ معلم جيد ولكن يوجد – دوماً – طلبة أغبياء فيكررونه» بدلاً من أن يتعلموا منه فلا يفعلون؟



بقلم: حسني عايش
المصدر: الرأي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق