تتمثل النعمة الاجتماعية في قدرة الدولة والمؤسسات والسوق على صياغة الرضا الاجتماعي وتحويله إلى مورد للنفع العام، حينما تلتقي هذه الإطراف على مفهوم مشترك للنفع العام الذي يخدم السوق كما يخدم الدولة والمجتمع؛ إنها صيغة لإحلال النعمة الاجتماعية التي يمتلكها المجتمع ولا يتمتع بها إلا حينما تدخل في سياق التنظيم الاجتماعي الكبير؛ أي في خدمة الدولة ومجالها الاجتماعي الأرحب، وفي خدمة السوق الذي يتسع بالرفاه الاجتماعي وليس على حسابه.
سنوات الأزمات المتتابعة التي شهدها المجتمع الأردني ليست محصورة بالانعكاسات المتأخرة للأزمة المالية، بل في الاختلالات العميقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتي ارتبطت إلى جانب ذلك بتداعيات الحروب التي شهدتها المنطقة وأضفت بظلال قاسية على المجتمع الأردني وقدراته الاقتصادية والمعنوية، وأضعفت قدرة صانع القرارعلى المناورة الاجتماعية فيما أبدى المجتمع الأردني استعدادا واضحا على التكيف والمهادنة رغم موجات العنف وبعض التعبيرات الطارئة، ومع تراجع مصادر التهديد الطارئة يبدو واضحا حجم المعاناة والاستجابة الناضجة التي قدمها المجتمع الأردني والتي ربما سوف نشير إليها في المستقبل، باعتبار أنها نعمة اجتماعية.
لقد أصبح الانتقال نحو دور واضح ومحدد للدولة، بعد مرحلة من التشويه وعدم الوضوح، ضرورة وطنية يجب ان تنعكس في سلوك الدولة وخطابها، أي التوظيف الحكيم للنعمة الاجتماعية المتمثلة في الموارد المعنوية وفي قدرة المجتمع على التكيف والصبر والبحث عن البدائل، بعدما انتقل دور الدولة بهرولة من وظيفة الدولة الرعوية الأبوية إلى الدولة الحارسة للسوق ومصالحه، والدور المطلوب لا يعني ان تتراجع الدولة عن انفتاحها على العالم ولا ان تغير منهجها الاقتصادي. ما وصل إليه النموذج الأردني يحتاج تجاوز الأخطاء ومرحلة التجريب، أي الانتقال بالدولة نحو دور الضامن للتوزيع العادل للموارد على مختلف فئات المجتمع، قد يكون هذا الدور قريبا مما تحدث عنه عالم السياسة الكبير هارولد لاسويل عشية الكساد الكبير الذي ضرب العالم في مطلع الثلاثينيات؛ حول الوظيفة الأساسية للدولة "توزيع الموارد على الأفراد من يحصل على ماذا وكيف"، والانتقال من نظرية حقوق الأفراد التي يجب ان نكون قد تجاوزناها إلى العدل بين الفئات والمجتمعات المحلية.
النعمة الاجتماعية تتمثل بالقوى الجديدة، بكل ما تملكه من معرفة وطاقة متجددة، مع خبرات النخب الأخرى في عجينة اجتماعية وسياسية تلتقي حول أهداف كبرى، تتحول بفعل الإنجاز والزمن والتراكم إلى مسلمات وطنية، أهم مخرجاتها ما نسميه الدولة الوطنية، ومن يفعلها هم أولئك الذين يشكلون المجتمع القادر على إحداث الفرق التاريخي في مصادر القوة وحياة الناس . النعمة الاجتماعية قد تكون اكبر الموارد التاريخية وأفقرها، وما يحدد الغنى والفقر الطريقة التي نستثمر بها، حينما تتحالف الدولة مع السوق من أجل المجتمع ومن أجل أن ينتفع الجميع بالنعمة الاجتماعية، أو أن تتحالف الدولة والسوق على المجتمع، وهنا السؤال والفرق بين النعمة والنقمة.
بقلم: باسم الطويسي
المصدر: الغد
سنوات الأزمات المتتابعة التي شهدها المجتمع الأردني ليست محصورة بالانعكاسات المتأخرة للأزمة المالية، بل في الاختلالات العميقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتي ارتبطت إلى جانب ذلك بتداعيات الحروب التي شهدتها المنطقة وأضفت بظلال قاسية على المجتمع الأردني وقدراته الاقتصادية والمعنوية، وأضعفت قدرة صانع القرارعلى المناورة الاجتماعية فيما أبدى المجتمع الأردني استعدادا واضحا على التكيف والمهادنة رغم موجات العنف وبعض التعبيرات الطارئة، ومع تراجع مصادر التهديد الطارئة يبدو واضحا حجم المعاناة والاستجابة الناضجة التي قدمها المجتمع الأردني والتي ربما سوف نشير إليها في المستقبل، باعتبار أنها نعمة اجتماعية.
لقد أصبح الانتقال نحو دور واضح ومحدد للدولة، بعد مرحلة من التشويه وعدم الوضوح، ضرورة وطنية يجب ان تنعكس في سلوك الدولة وخطابها، أي التوظيف الحكيم للنعمة الاجتماعية المتمثلة في الموارد المعنوية وفي قدرة المجتمع على التكيف والصبر والبحث عن البدائل، بعدما انتقل دور الدولة بهرولة من وظيفة الدولة الرعوية الأبوية إلى الدولة الحارسة للسوق ومصالحه، والدور المطلوب لا يعني ان تتراجع الدولة عن انفتاحها على العالم ولا ان تغير منهجها الاقتصادي. ما وصل إليه النموذج الأردني يحتاج تجاوز الأخطاء ومرحلة التجريب، أي الانتقال بالدولة نحو دور الضامن للتوزيع العادل للموارد على مختلف فئات المجتمع، قد يكون هذا الدور قريبا مما تحدث عنه عالم السياسة الكبير هارولد لاسويل عشية الكساد الكبير الذي ضرب العالم في مطلع الثلاثينيات؛ حول الوظيفة الأساسية للدولة "توزيع الموارد على الأفراد من يحصل على ماذا وكيف"، والانتقال من نظرية حقوق الأفراد التي يجب ان نكون قد تجاوزناها إلى العدل بين الفئات والمجتمعات المحلية.
النعمة الاجتماعية تتمثل بالقوى الجديدة، بكل ما تملكه من معرفة وطاقة متجددة، مع خبرات النخب الأخرى في عجينة اجتماعية وسياسية تلتقي حول أهداف كبرى، تتحول بفعل الإنجاز والزمن والتراكم إلى مسلمات وطنية، أهم مخرجاتها ما نسميه الدولة الوطنية، ومن يفعلها هم أولئك الذين يشكلون المجتمع القادر على إحداث الفرق التاريخي في مصادر القوة وحياة الناس . النعمة الاجتماعية قد تكون اكبر الموارد التاريخية وأفقرها، وما يحدد الغنى والفقر الطريقة التي نستثمر بها، حينما تتحالف الدولة مع السوق من أجل المجتمع ومن أجل أن ينتفع الجميع بالنعمة الاجتماعية، أو أن تتحالف الدولة والسوق على المجتمع، وهنا السؤال والفرق بين النعمة والنقمة.
بقلم: باسم الطويسي
المصدر: الغد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق